نبض الزمن داخل الإنسان .. الساعة البيولوجية

بقلم الكابتن / محمد رجب عياد

في أعماق كل خلية من خلايانا تعمل ساعة لا تتوقف، تُنظّم الإيقاع الخفي لحياتنا دون أن نشعر. هذه هي الساعة البيولوجية، أو كما يسميها العلماء «إيقاع الحياة». هي ليست مجرّد آلية تنبّهنا للنوم والاستيقاظ، بل قائد أوركسترا داخلي ينسّق عمل الهرمونات، ونشاط الدماغ، وعمليات الأيض، وحتى طاقتنا النفسية والجسدية. ومهما تقدّم الإنسان في التكنولوجيا، يبقى جسده أسيرًا لقانون الطبيعة: النور للحركة، والظلام للراحة.

🧠 كيف تعمل الساعة البيولوجية؟

تقع الساعة البيولوجية في منطقة دقيقة من الدماغ تُعرف بالنواة فوق التصالب البصري داخل الهيبوثالاموس). تلتقط هذه النواة إشارات الضوء من العين، وتترجمها إلى أوامر بيولوجية توجّه الجسم كله. فمع حلول (المساء، يبدأ إفراز هرمون الميلاتونين ليهيّئنا للنوم ويخفض معدل نبض القلب وحرارة الجسم. وعند الفجر، يقل الميلاتونين ويعلو الكورتيزول في الدم، ليُطلق شرارة  النشاط والانتباه. إنها سيمفونية دقيقة تعمل بصمت، لكنها تحدّد إيقاع كل لحظة في يومنا.

🏋️‍♂️ الساعة البيولوجية والرياضة: توقيت القوة والإنجاز

الأداء الرياضي لا يعتمد فقط على المجهود أو المهارة، بل أيضًا على توقيت الممارسة. تشير الدراسات إلى أن أقصى قوة بدنية وتركيز عصبي يتحققان غالبًا في فترة ما بعد الظهر والمساء المبكر، حين تبلغ حرارة الجسم ذروتها ويصبح الجهاز العصبي أكثر استجابة. أما التدريب الصباحي، فيُنشّط الدورة الدموية ويُعزز الانضباط الذاتي، لكنه يحتاج إلى تهيئة تدريجية للجسم. عدم الالتزام بمواعيد ثابتة للتدريب يربك الإيقاع الحيوي، فيؤدي إلى ضعف الأداء وبطء الاستشفاء العضلي.

 

 🍽️ التغذية والإيقاع الحيوي: طعامك في وقته دواؤك

توقيت تناول الطعام لا يقل أهمية عن نوعيته. في ساعات النهار يكون الجسم في ذروة حساسيته للإنسولين، فيحرق السكريات بفاعلية أكبر ويخزّن طاقة أقل. بينما في المساء، تنخفض قدرة الخلايا على التعامل مع الجلوكوز، فيتحول فائض الطعام إلى دهون. لذا يُنصح بأن تكون الوجبات الكبرى خلال النهار، وأن تُترك وجبة المساء خفيفة ومتوازنة. هذا ما يُعرف بالكرونوتغذية، وهي استراتيجية حديثة تحسّن من ضبط الوزن وصحة الجهاز الهضمي وجودة النوم.

🧘‍♀️ الصحة النفسية والطاقة: حين يختل الإيقاع، يختل التوازن

الساعة البيولوجية تتحكم أيضًا في إفراز الهرمونات العصبية المسؤولة عن المزاج مثل السيروتونين والدوبامين. وحين تُصاب هذه الساعة بالاضطراب نتيجة السهر المزمن أو العمل الليلي، تبدأ الحالة النفسية في التدهور تدريجيًا: تعب، قلق، تشوش في التركيز، وميل للاكتئاب. بينما من يلتزم بإيقاع نوم واستيقاظ منتظم يشعر بصفاء ذهني أعلى وطاقة مستقرة ومزاج أكثر توازنًا.

💡 نصائح تطبيقية للرياضيين والمدرّبين

• نظّم وقت نومك واستيقاظك — وحافظ على فارق زمني لا يتجاوز ساعة واحدة طوال الأسبوع.

• درّب في الوقت الأنسب لهدفك: بعد الظهر والمساء لتحسين القوة، الصباح للتركيز والانضباط.

• تناول وجباتك في مواعيد ثابتة، واجعل الإفطار والغداء أغنى وجباتك.

• عرّض نفسك لأشعة الشمس صباحًا لإعادة ضبط الساعة الداخلية.

• أطفئ الأضواء الزرقاء ليلاً لتسهيل إفراز الميلاتونين.

• عدّل مواعيدك تدريجيًا قبل السفر أو المنافسات. 

 

  

تفسيردورة الساعة البيولوجية التي تمتدّ على مدى 24 ساعة

3-5 فجراً: الرئتين

في هذا الوقت، من الأرجح أن تكونوا نائمين، إلا أن الرئتين تتخلصان من المخاط والمخلفات، ولهذا السبب تسعلون أحياناً حين تستيقظون. إن تكرّر ذلك أكثر من مرة، فهذا دليل على أنّ عليكم تعديل حميتكم الغذائية ونمط حياتكم.

فجراً 5-7: الأمعاء الغليظة

حان وقت الاستيقاظ، اشربوا الماء لتنطلق حركة الأمعاء الأولى. إنه الوقت الأسوأ لتناول الكافيين، الذي يدرّ البول، في الوقت الذي يحتاج جسمكم فيه إلى كمية كبيرة من المياه لضمان صحة القولون والأمعاء. إن كنتم لا تشعرون بأنكم على خير ما يرام، اشربوا كمية كبيرة من المياه.

7-9 صباحاً: المعدة

خلال هاتين الساعتين، تكون المعدة في قمّة قدرتها على امتصاص المغذّيات المتوفّرة في الطعام. فهذا هو الوقت الأمثل لتناول فطور صحي والذهاب في نزهة سريعة سيراً على الأقدام. إن كنتم تواجهون مشاكل في المعدة أو تفتقدون إلى الشهية لتناول الطعام، فعليكم أن تعيدوا النظر في أنماط تناول الطعام التي تعتمدونها.

9-11 صباحاً: الطحال

في الطبّ الصيني التقليدي، يُشار إلى الطحال على أنه ليس العضو فحسب، بل عملية الهضم بحدّ ذاتها، بما في ذلك التحكّم بمستوى السكر في الدم، وإطلاق الأنزيمات الهضمية من البنكرياس. حتى ولو تناولتم فطوراً متأخراً، ستتمكنون من هضمه بفعل حركة البنكرياس والطحال. ويعدّ هذا الوقت ملائماً للبدء بالعمل لأن الطحال السليم يساعدكم على التركيز


 صباحاً 11 – 1 ظهراً: القلب

تشير الدراسات إلى ارتفاع نسب حصول النوبات القلبية خلال هذه الفترة الزمنية، لذا، اسعوا لئلا ترهقوا قلبكم في هذا الوقت، واقضوا هاتين الساعتين في تناول الغداء والتواصل مع الآخرين.

1 – 3 من بعد الظهر: الأمعاء الدقيقة

خلال هذه الفترة من الوقت، تكون مستويات الطاقة في الجسم في أدناها، وهذا الوقت الأمثل لأخذ قيلولة. خلال هذه الفترة، قد تعانون من سوء هضم، وألم في المعدة، وانتفاخ، وهي دلائل تشير إلى ضرورة إعادة النظر في حميتكم الغذائية.

3-5 بعد الظهر: المثانة

في هذا الوقت، يفترض بكم أن تكونوا قد استعدتم طاقتكم. إنها الفترة الأمثل لمعاودة العمل والدرس. أكثروا من شرب المياه خلال هاتين الساعتين.

5-7 بعد الظهر: الكليتين

إنه الوقت الأمثل لتناول العشاء واستعادة الطاقة. تحتفظ الكليتان بمخزون الطاقة. إن كانت الكليتان سليمتين، فستشعرون بالطاقة خلال هذا الوقت من النهار. أما إن شعرتم بالتعب خلال هاتين الساعتين أو ما بين الساعة الخامسة فجراً والسابعة صباحاً، فهذا مؤشّر على أنه عليكم التحكّم بمستويات التوتّر الذي تشعرون به


 من 7-9 مساءا التامور

التأمور هو العضو المسؤول عن الدماغ، الدورة الدموية والأعضاء التناسلية. خلال هاتين الساعتين، يكون التأمور في أوجّ طاقته، فاستفيدوا من هذا الوقت لتعززوا التواصل الاجتماعي وتعتنون بذاتكم، فاسترخوا وطالعوا كتاباً. تجنّبوا الوجبات المسائية الدسمة، واستعيضوا عنها بالوجبات الخفيفة.

9-11 مساء: المحرق الثلاثي

في الطبّ الصيني التقليدي، ينسّق المحرق الثلاثي مستويات الطاقة، ودفق المياه والحرارة في الجسم وينظّمها، ويتحكّم بالأوعية الدموية والشرايين التي تتمّ معالجتها خلال هذا الوقت. في هذا الوقت، تبدأون بالشعور بالنعاس ويفترض بكم الاستمرار في الاسترخاء.

11-1 مساء: المرارة

حان وقت النوم والتجدّد. إن كنتم تعانون من حصى في المرارة، فمن المرجّح أن تشعروا بالألم خلال هاتين الساعتين.

3-1 صباحاً: الكبد

في هذا الوقت يفترض بكم أن تكونوا قد غصتم في نوم عميق وبدأتم تحلمون، فيما يعمل الكبد على إزالة السموم من جسمكم. إن كنتم تستيقظون خلال هاتين الساعتين، فهذا مؤشر على أن كبدكم متعب بسبب نظامكم الغذائي السيء، استهلاككم للكحول أو الأدوية، لذا، يستحسن بكم السعي لاعتماد نمط حياة أكثر صحة

🔔 الخاتمة

الساعة البيولوجية ليست مجرد نظرية علمية، بل قانون طبيعي يحكم توازن الإنسان مع نفسه ومع الزمن. إنها البوصلة التي تربطنا بإيقاع الأرض والضوء والحياة. من يفهمها ويعيش وفقها، يكتشف أن الصحة ليست مجهودًا إضافيًا، بل انسجامًا مع الفطرة.

 

⚙️ إعداد

Instructor Mohamed Ayad

Administrator 12 أكتوبر 2025
شارك هذا المنشور
علامات التصنيف
الأرشيف
تسجيل الدخول حتى تترك تعليقاً
علاقة البوليمرات بالصناعات الحديثة وتأثيراتها الإيجابية والسلبية
كتبه الأستاذ / أحمد سليمان .. مشرف العلوم بقسم البنين
هل تحتاج للمساعدة ؟
Contact us via WhatsApp.
تواصل معنا عبر الواتس آب
ابدأ الدردشة الآن